القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار المواضيع

مقدمة في سيميائية الأخطاء في اللغة العربية بين المرئي والمسموع - الجزء الأوّل

سيميائية الأخطاء في اللغة العربية بين المرئي والمسموع

مقدمة في سيميائية الأخطاء في اللغة العربية بين المرئي والمسموع - الجزء الأوّل

المقدمة

شَغَلت العربية أهلها، أُفْتِنوا بها وعشقوها، وهبتهم روحها فمنحوها رعايتهم واهتمامهم. اعتنوا بها، فشذبوها من كل ما هو حوشي ومقعر، زينوها بالبلاغة مضافًا إليها الخبر والإنشاء، ضبطوا حروفها صاغوا نحوها، ألبسوها أجمل حُلَلِها وأجلّها، فأخرجوها للناس خيرَ لغة.

ولا ينسى المرء في هذا السياق فضلَ الإسلام على اللغة العربية حيث أضاف إليها الكثيرَ من المفردات والتعابير، وقد سلك بها مع الحديث النبويّ الشريف" في البلاغة مذاهب ينقطع بها كلُّ بليغ"(1)، بعد ذلك كان فتح الممالك والأمصار كبلاد فارس والرّوم، ما زاد عليها الكثير من المعاني العلمية أو االمدنية وفي كل العلوم من فلسفة وسياسة إلى إدارة وفقه وأصول، فجغرافيا، وعلم الهيئة والسيرة ... وهكذا نرى أنّ الإسلام خطا باللغة العربية خطوات مهمة وكبيرة في تعزيز موقعها ومكانتها.

إن الوضع المختلف للعرب بين الأمس واليوم؛ يدفعني إلى اختيار المنهج السيميائي الذي "يدرس الأنظمة الرّمزيّة في كلّ الإشارات ( العلامات) الدالة"(2)، تلك العلامات التي " تستمد تعددها من الإيحاءات"(3)، فتبرز كأشياء مادّية لها مدلولاتها الذّهنية المرتبطة بها، و"تنقسم إلى دوال ومداليل وعلاقات تربطها معًا" (4) حسب سوسير، ولعله من المهم توكيد "حقيقة مفادها أنّ السّيمولوجيا لا تبحث عن الحقيقة، بقدر ما تركز جهدها على عمليات الدال"(5) وهي إذ تبحث في العلامات وطرق انتاجها، كما تبحث في الأنظمة الدلالية.

وحين أرغب في دراسة مجموعات سيميائيّة لها عمق اجتماعيّ حقيقي، يفترض أن "تلتقي اللغة بالسّلوك وردات الفعل البشريّة"(6)، كالاستغراب، والاستهجان، الاستعلاء، الرفض الثورة بشكل انفعالي كبير يصل حدّ التخلي عن اللغة الأم في الكثير من المدارس اللبنانية، وحتى في بعض المجتمعات الأرستقراطية، إذ يعتقد البعض أنّ كلّ كلمة تأتي بدلالة القوّة للشخصية، ولا تكون مستقلة عن السياق الذي يتخاطب به أبناء المجتمع.

 يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على دور أبناء اللغة العربية؛ في تغليب المفردات الأجنبية على كلامهم، وكأنهم لا يشعرون بتحضرهم إلا من خلال ذلك، فهل الحضارة في مجملها تتوقف على الكمية التي نتقنها من المفردات باللغة الأجنبية ومن ثم نتخاطب بها في ما بيننا للتباهي أمام المجتمعات؟ علمًا أن هذا الأمر لا يعني أننا ضد تعلم اللغات، ولكننا ضد أن يأتي هذا على حساب اللغة الأم. وهل سيأتي اليوم الذي يشعر فيه العربي بتفوق اللغة العربية على غيرها من اللغات فيقتنع بضرورة إعطائها الأولوية ومن ثم يساهم في إعادتها إلى مجدها وعدم التغني باللغات الأجنبية الأخرى، ونحن نعرف أنّها لغة حيّة طيعة، تأخذ من كل اللغات، وتعطي لكل اللغات؟ 

 دور الإعلام المرئي والمسموع في استفحال الأخطاء الشّائعة

ويبين ضعف اللغة عند الإعلاميين، إذ إنّهم يتخرجون من جامعات خاصة تولي الأهمية للغة الأجنبية، وينسون معظم مفردات لغتهم الأم، ولا يتقنون مواقع الكلمات من الإعراب، فينصبون فاعلًا أو اسمًا مجرورًا، ويرفعون مفعولًا به، أضف إلى أنّ القيمين على تلك الوسائل لا يعنيهم أن يقدموا صحافيًا مثقفًا يتقن لغته، بقدر ما يهمهم الربح الوفير.

دور المجتمع والمدارس والمعلمين

دور المجتمع والمدارس والمعلمين الذين يبدأون درسهم بالتهليل أنّ اللغة العربية، صعبة ولا يمكننا فهمها بسهولة، فيضعون مسبقًا حاجزّا بين المتعلمين وبين لغتهم، بالإضافة إلى الطبقة السياسية إذ يصعب على السياسيين أن ينطقوا بالكثير من المفردات بشكلها السليم، وغيرهم من الوسائل التي تساهم في تدني مستوى اللغة العربية كالصحافة المكتوبة، أو وسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم بيسر وسهولة بانتشار الأخطاء على المستوى الكتابي.

وعلى الرغم من كل ما تعرضت له الأمة العربية من انتكاسات؛ وصدمات إلا أن ذلك لم يثن العرب عن متابعة طريقهم في المحافظة على لغتهم؛ ورَفْدِها بكل ما هو جديد في كل حقبة زمنية، فكتبوا بها في مرحلة متقدمة شتى علومهم من علم القيافة والأَثر إلى علم الحديث والأنساب ومن ثم علم الجبر والهندسة فالكيمياء والطب والفلك، وعلم المثلثات، والحِيل النافعة أو( الميكانيكا)، كما أنّهم ابتكروا المنهج العلمي في أبحاثهم وكتاباتهم، وكلّ ذلك كان باللغة العربية وقد كانت طيعة لهم.

الدكتورة خديجة شهاب - أستاذة في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية

إقرأ أيضا:

المراجع

  1.  حليم بن ابراهيم جريس دموس، شاعر لبناني ولد في زحلة 1888-1957م.
  2. محمد بن ابراهيم الحمد: فقه اللغة مفهومه وموضوعاته وقضاياه، دار ابن خُزيمة للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية، الرياض، ط أولى، ص 125، سنة 2005م.
  3. علي مهدي زيتون، النص الشعري المقاوم.دار العودة، بيروت، لبنان، ط 3، 2013 م، ص107.
  4. إمبرت إيكو، ت، سعيد بنكراد، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه. المركز الثقافي العربي، بيروت ،لبنان، ط أولى، 2007م، ص83. 
  5. ميجان الرويلي، وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي. المركز الثقافي العربي ، بيروت، لبنان، ط5، 2007م، ص177.
  6. صالح الهويدي، المناهج الحديثة أسئلة ومقاربات, دار نينوى للدراسات والنشر، دمشق، سورية، ط أولى، 2016م، ص159.
  7. علي مهدي زيتون. م،س، ص107
هل اعجبك الموضوع :
ADAB
ADAB
Adab مدونة علمية, تهدف إلى نشر العلم وتقديم الفائدة من خلال نشر المواضيع العلمية و الثقافية, وعن المنح الدارسية, تهدف إلى توصيل تلك الفائدة للطلاب أولاً ثم إلى كل باحث لأن تكون مرجع للجميع, ترحب بكل من يريد نشر الفائدة. ADABORG

تعليقات